اغتيال هيباثيا

اغتيال هيباثيا

 

تحتفل الكنيستان الكاثوليكية والأرثوذكسية يوم 28 فبراير من كل عام بعيد القديس كيرولس، تمجيدا لذكراه ولأعماله “المجيدة” في كنيسة الإسكندرية وإسهامه في تكوين المسيحية.. ومن بين هذه الأعمال التي يحتفظ له بها التاريخ عن سنة 415، تدبير اغتيال هيباثيا، عالمة الرياضيات، متفردة الذكاء والعلم والجمال. فقد سحبها مرتزقة الرهبان، بقيادة بطرس المقرئ، من محفتها وهي عائدة من مدرستها إلى دارها، وسحلوها في الطريق إلى داخل كنيسة سيزاريون، التي يمارس فيها الأسقف كيرولس مهامه الدينية، حيث جردوها من ثيابها وراحوا يشبعونها ضربا، ثم بدأوا يسلخون جلدها بالأصداف الحادة إلى أن رحمها الله بالموت وهي تُسلخ، ثم قاموا بتقطيع جسدها وحملوا هذه القطع الآدمية الذبيحة إلى محرقة سينارون حيث التهمتها النيران..

وليست هذه القصة من أهوال قصص الرعب، وإنما هي قصة من قصص التاريخ الكنسي المعاش، وتصرفات المسيحيين الأوائل، في القرن الرابع والخامس الميلادي بمدينة الإسكندرية. وقد سجلها العديد من المؤرخين في ذلك الوقت، كما تناولها الأدباء. ومما نطالعه في كتاب “التاريخ العام للعلوم” (Histoire générale des Sciences, PUF, vol. 1, 1966): “كان المسيحيون الأوائل يكنون عداوة لا حدود لها للعلوم والفلسفة والآداب في تحديهم البغيض للثقافة الوثنية.. وفي بعض الأماكن الشديدة الحراك كالإسكندرية، قام التعصب المسيحي بتدمير مكتبة الإسكندرية والمتحف الشهير ليطفئ مجد مدينة العلم التي حاول التراث الوثني الحفاظ عليها حتى سنة 400 “. وكلمة وثني أو وثنية كانت تطلق أساساً آنذاك على كل ما هو ليس مسيحي.

وإن كانت هذه الفقرة تعطينا فكرة إجمالية عن المناخ العام في مدينة الإسكندرية، فقد تناول العديد من المؤرخين تفاصيل جريمة اغتيال هيباثيا وتناقلوها عبر الزمان، مرورا بالعديد من الأدباء الفرنسيين والإنجليز، وصولا إلى معاصرينا.. ففي عام 440 اتهم المؤرخ سقراط القسطنطيني الأسقف كيرولس بأنه دبّر مقتل هيباثيا، مضيفا: “وهو ما أضر بصورة كيرولس السكندري وكنيسة الإسكندرية؛ فمن المحرج أن يقوم من يزعمون انتمائهم للمسيح باغتيالات ومعارك وتصرفات همجية من هذا القبيل بوازع وتدبير من البطريرك. وقد وقع ذلك في شهر مارس أثناء فترة الصوم، في السنة الرابعة لتولي كيرولس منصبه، أيام الإدارة العاشرة لهونوريوس والسادسة لتيودوز” (التاريخ الكنسي سنة 440 المجلد 7، 15).

ومن كتّاب العصر الحديث نطالع ما كتبه أندريه شستانيول سنة 1976: “وفي سنة 415 اغتالها جنود كيرولس، الممرضون ـ الحانوتية، أتباع جمعية مسيحية للمرتزقة” (نهاية العالم القديم، باريس صفحة 61). أما كاثلين وايدر فتقول: “أن موتها يعنى نهاية الكلاسيكية القديمة” (نساء وفلاسفات في العالم اليوناني القديم، سنة 1986، صفحات 49 ـ 50).

أما الأسقف يوحنا النقياوي، في القرن السابع، فكتب قائلا: “في ذلك الوقت ظهرت امرأة فيلسوفة، وثنية، اسمها هيباثيا، تفرغت تماما للسحر، والإسطرلاب وأدوات الموسيقى. وقد سحرت كثير من الناس بمواهبها الشيطانية، وكان حاكم المدينة يبالغ في تكريمها، وبالفعل كانت قد سحرته بسحرها. فكف عن الذهاب إلى الكنيسة كما اعتاد. فتجمع عددا من رفاقه المؤمنين بقيادة بطرس المأمور ـ الذي كان من جميع النواحي مؤمنا كاملا بيسوع المسيح ـ وقرروا البحث عن هذه المرأة الوثنية التي سحرت شعب المدينة والحاكم بألاعيبها. وعندما علموا أين هي وجدوها جالسة فانتزعوها من مقعدها وسحلوها للكنيسة الكبرى المسماة سيزاريون. وكان ذلك أيام الصوم. فمزقوا ثيابها وسحلوها خلف عربة في شوارع المدينة حتى ماتت. فحملوها إلى منطقة اسمها سينارون وحرقوا جسدها. وكل الناس من حول البطريرك كيرولس أطلقوا عليه ” ثيوفيل الجديد” لأنه قد هدم آخر بقايا الوثنية في المدينة”.

والفرق واضح بين المؤرخين والأدباء الأمناء، وبين ما كتبه الأسقف يوحنا النقياوي الذي يعكس وجهة نظر الكنيسة بالنسبة للمرأة والعلم، وخاصة عباءة السحر. فكل من تناول حياة هيباثيا تناولها من ناحية نبوغها في علم الرياضيات والفلك، أما الأسقف يوحنا النقياوي، وإن كان أشار إلى بعض تفاصيل اغتيالها، فقد ألصق بها تهمة السحر. وهذه التهمة تعد من التهم الأساسية التي لجأت إليها الكنيسة واغتالت بحجتها أكثر من مائة ألف امرأة على مر العصور بزعم ممارستهن السحر أو العلم. وهي مرحلة امتدت من القرون الأولى لتكوين المسيحية حتى بعد القرون الوسطى. وكلمة “السحر” في الإطار الكنسي تعني في الواقع “العلم” بمختلف مجالاته، لأنه يكشف بالأدلة التلفيق والفريات التي كانت الكنيسة تنسجها وتفرضها على الأتباع.

مولد هيباثيا:

وُلدت هيباثيا سنة 370 م، وكانت في حوالي العاشرة من العمر حينما أعلن الإمبراطور تيودوز (347 ـ 395) المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية، وذلك بمرسوم تسالونيكي الصادر يوم 28 فبراير سنة 380. واضعا بذلك حدا لقرون من القلاقل وعدم الاستقرار الديني أو الصراع بين المسيحية الوليدة والديانات السابقة والمعاصرة لها. فقد اشتعلت الإمبراطورية بثورات متتالية للمسيحيين وتطلعهم للسيطرة والسيادة والتفرد. خاصة وإنهم كانوا في بداية تكوينهم عرضة للتنكيل، عندما كانت المواقف السياسية تقتضي ذلك. ومنها القلاقل التي حدثت أيام حريق روما يوم 19 يوليو سنة 64 م، عندما اعتبرهم الإمبراطور نيرون طائفة مشاكسة، شديدة التطلع والتأثير. فقتلهم وألقى عددا منهم لأسود السيرك.

نشأت هيباثيا وترعرعت في هذا المناخ المشحون وقد ارتدى الكنسيون رداء الكهنوت السلطوي ووصل بعضهم الى الخلط بين دورهم الديني والسلطة السياسية. أما في مدينة الإسكندرية فقد ازدادت الصراعات بين المصريين واليهود والمسيحيين. وقد تعلمت هيباثيا على يد والدها ثيون، عالم الرياضيات الكبير، الذي كان يقوم بالتدريس في متحف الإسكندرية. وفي مرحلة الشباب سافرت إلى اليونان، بلد أجدادها، لتدرس في الأكروبول على يد عالمة أخرى هي اسكليبيچني، أستاذة الفلسفة والعلوم الأفلاطونية الجديدة.

عادت هيباثيا من اليونان بعلمها الغزير ليتم تعيينها في المتحف أستاذة للرياضيات وعلوم الفلك. وتابعت كل المعارك بين مختلف التيارات الفكرية مع تزايد عداء الكنيسة للعلوم. فكيف يمكن للبشر أن يحاولوا فهم الكون؟ وما جدوى دراسته والوقوع في مخالب الشيطان خاصة وأن يسوع قد أكد في الأناجيل أن يوم الحساب قريب، بل سيشهده المعاصرون له؟ وهو ما أكده بولس أيضا. ففي نظر رجال الكنيسة آنذاك محاولة فهم الكون لا تعني فحسب الاقتراب من ملكوت الله وإنما هي عملية تكشف ما تقوم به من تعديل وتبديل في النصوص.

ابتعدت هيباثيا عن الصراعات الكنسية والسياسية، كما ابتعدت عن منصبها في المتحف لتفتح مدرستها التي سرعان ما عرفت النجاح الساحق وانضم اليها العديد من الطلاب من مختلف الأديان، ومنهم أورست حاكم الإسكندرية. مما زاد من اشتعال الصراعات لدرجة أن دبّر البطريرك كيرولس عملية اغتيال الحاكم. لكنه نجا منها وفر هاربا من الإسكندرية.

عداء الكنيسة لها:

في الفترة التي كانت فيها الكنيسة تحارب العلم وتفرض التعتيم لكيلا تبدأ عمليات المقارنة وكشف المتناقضات بين النصوص الكنسية والعلم والمنطق، كانت هيباثيا تكتب في الرياضيات وعلوم الفلك. ومنها تعليقا على أعمال ديوفانت وأبوللونيو. كما شغفت بعلم الفلك ودونت ملاحظاتها في كتاب “قوانين الفلك”. وتطرقت للفيزياء وقامت بتصنيع اسطرلاب وهيدروسكوب. وقد تألق نجمها كأستاذة في مدرسة الفلسفة بالإسكندرية. وأدى اهتمامها بالفلك إلى معاداة الكنيسة لها لأن تأييدها لاكتشافات من سبقوها، يدين بعض العقائد المسيحية. فقد كان العالِم أريستارك من ساموس (ـ 310 ـ230 ق م) قد طرح فكرة نظام كوني تدور فيه الأرض حول محورها وحول الشمس، على عكس ما كانت تفرضه الكنيسة من أن الأرض مسطحة وثابتة.

كما كانت هيباثيا تقوم بالبحث في قوانين تحرك الأرض حول الشمس وتحاول تخطي أبحاث من سبقوها.. وما كان يبدو أكثر من ذلك فُجرا، في نظر الكنيسة، أن هيباثيا كانت تحاول الدفاع عن أسس الحضارة القديمة والحفاظ عليها ضد الكنيسة وإلهها المستحدث. فتحول الصراع إلى عداء، أدى إلى قيام الاسقف كيرولس بتدبير أمر اغتيالها.

وهنا لا ننسى جاليليو الذي اعتقلته الكنيسة وأجبرته أن يتراجع عن نظرياته، راكعا على الأرض، أمام اثني عشرة كاردينالا، ثم برأته في القرن العشرين، حينما أقامت الأمم المتحدة احتفالية بمناسبة مروم 400 عاما على أولى الاكتشافات الفلكية. فكوّن الفاتيكان لجنة لتبرأة جاليليو، جاء في تقريرها يوم 2 فبراير 2009: “نحييّ اللجنة التي واتتها الشجاعة للاعتراف بأخطاء من حاكموا جاليليو، وأنهم لم يتمكنوا وقتها من فصل الدين عن علم الفلك، تصورا منهم، قطعا بالخطأ، أن ثورة كوبرنيك التي لم يكن قد تم إثباتها بعد يمكنها أن تهز أركان العقيدة الكاثوليكية وأنه من واجبهم منع تعاليمه”. كما قام الكرسي الرسولي بتنظيم مؤتمرا دوليا حول جاليليو، داخل إطار احتفالية الأمم المتحدة، وذلك في مدينة فلورنسا من 26 إلى 30 مايو 2009.

الأسقف كيرولس (376ـ 444):

اتناول سيرة الأسقف كيرولس هنا باقتضاب لتوضيح الدور الذي قام به في الإسكندرية وفي تكوين المسيحية التي كانت في مرحلة تخبط ومعارك منذ بداياتها. ويُعد الأسقف كيرولس من علماء الكنيسة الذين ساهموا في صياغة المسيحية في فترة من أعنف فتراتها. وهو ابن أخ الأسقف ثيوفيلس وخليفته. وقد اهتم مثله باقتلاع الوثنية من البلد، وذلك يعني كل ما هو ليس مسيحي. كما اقتلع اليهودية باعتبارها هرطقة من ضمن الهرطقات. ومن أشهر اسهاماته معارضة ومهاجمة أريوس وأتباعه، ومهاجمة الإنطاكيين، وإغلاق المعابد اليهودية وكنائس أتباع نوڤاسيان وأية جماعة مسيحية غير القبطية. وقد وضعته هذه الأفعال العنيفة في موقف معادي لأورست حاكم الإسكندرية.

ومن أشهر اسهاماته في تحديد توجه المسيحية اشتراكه في معركة النسطورية، التي تصارع فيها كلا من الأسقف كيرولس السكندري ونسطوريوس بطريرك القسطنطينية. والنسطورية هي المذهب المنادي بأن المسيح له طبيعتين إحداهما إلهية والأخرى بشرية. وقد ظلت هذه الخلافات سائدة حتى القرون الوسطى رغم حسمها في مجمع أفسوس سنة 431 الذي دعي إليه الإمبراطور تيودوز الثاني وأدان النسطورية وفرض اتحاد الطبيعتين الإلهية والبشرية في السيد المسيح.

كما ساهم الأسقف كيرولس في حسم معركة الأريوسية والإطاحة بأريوس. فقد كان الأسقف أريوس السكندري هو وأتباعه يرفضون محاولات تأليه يسوع ومساواته بالله عز وجل. وقد عادى نستوريوس بطريرك القسطنطينية الذي كان يرفض إضفاء عبارة “أم الله” على السيدة مريم. فجعل مجمع أفسوس سنة 431 يدينه ويعزله، ونجح كيرولس أيضا بمساعدة ممنون الأفسوسي في إدانة نستوريوس وإعلان أن “مريم أم الله” وليست “أم يسوع” فحسب. وهكذا تنسج المسيحية..

ومن مهازل المؤسسة الكنسية أن يقوم البابا ليون الثالث عشر سنة 1882 بإضفاء لقب “قديس” على الأسقف كيرولس ولقب “دكتور” لكل ما أسهم به من قتل وتدمير للتراث المصري والعلوم. وإن خرجنا بشيء من هذه الشذرات، التي لا تقاس بما تم فعلا بعد ذلك عبر القرون، فهو التلاعب بالنصوص وبالتاريخ، وأن المسيحية قد تم نسجها فعلا بأيادي المتحكمين، عبر المجامع والمعارك، على مر العصور..

وعودة إلى هيباثيا، فيقول الباحث أنريكو ربيوني عن سنة 415، في كتابه المعنون “الصفحة السوداء للكنيسة”: “لقد أدى اغتيال هيباثيا إلى نقطة تحول في المجتمع: فبعد وفاتها غادر كثير من العلماء والفلاسفة مدينة الإسكندرية، إلى الهند وبلاد الفرس وكفّت الإسكندرية عن أن تكون أكبر مركز للتعليم والعلم في العالم القديم. ومنذ ذلك الوقت انحدر العلم في الغرب ولم يصل إلى مستوى يقارن بالإسكندرية قديما إلا مع فجر الثورة الصناعية. وفيما يتعلق بأعمال مدينة الإسكندرية في علوم الرياضيات والفيزياء والفلك، فقد حافظ عليها العرب والفرس والهند والصين. أما الغرب فقد غاص في عصر الظلمات ولم يخرج منها إلا بعد ألف عام تقريبا”..

وتظل هيباثيا رمزا..

رمزا للمرأة المثقفة، المبدعة، لتتألق شعلتها كعالمة متفردة حتى يومنا هذا.

زينب عبد العزيز

14 يوليو 2016

بولندا، عنصرية التعصب !

في السابع من أكتوبر 2017، أحاطت سلسلة بشرية مكونة من قرابة مليون ونصف من البولنديين بجدود الدولة، البالغ طولها 3500 كم، “لإنقاذ بولندا وباقي أوروبا من العدمية والإسلام، وإنكار العقيدة المسيحية”!

وأبدأ بالتأكيد على إن الإسلام والمسلمين لا ينكرون العقيدة الكسيحية، لكنهم ينكرون، كما يحدده القرآن الكريم المنزّل من عند الله: تأليه السيد المسيح، الذي تم في مجمع نيقية سنة 325، وكذلك بدعة الثالوث الذي تم اختراعه وفرضه في مجمع القسطنطينية الأول سنة 381. وهما بدعتان لا علاقة لهما بأي تنزيل إلهي وإنما تم الاقتراع والتصويت عليها في المجامع مثلما يتم الاقتراع على القوانين في البرلمان! وعلى العكس من ذلك، فإن إيمان المسلم لا يكتمل إلا إذا آمن بالسيد المسيح كنبي عظيم، وبباقي الأنبياء، وبأمه السيدة مريم التي برأها القرآن مما الحقها به اليهود من تهمة الزنا التي لم يتراجعوا عنها. وهي من الحقائق التي لا حصر لها وأثبتها العلماء، الكنسيين منهم والمدنيين، منذ عصر التنوير بل وقبله بكثير..

إن المؤسسة الكنسية التي أطلقت هذه المبادرة، وتدعى “الرب وحده يكفي” قد حصلت على مساعدة مؤتمر الكنسيين البولندي (Kep)، من أجل تجييش أتباع 318 أسقفية و22 إبراشية. وقد تم تعيين قساوسة منظمون في كل إبراشية وحوالي مائتا كنيسة/محطة للتجمع. ولم يتم إغفال أي قطاع في الدولة، فلا قمم الجبال ولا المسطحات المائية استُبعدت. ففي البحر صف الصيادون قوارب الصيد بطول نهر باج، وانطلقت زوارق الصيد من قرب الكنيسة/المحطة ليكوّنوا صفا متلاصقا من القوارب بطول النهر.

أما الحدود المشتركة مع بولندا، وهي التشيك وسلوفينيا، فقد دعاهم منظمو الاحتفالية للانضمام إليهم والصلاة معهم. كما انضم الي تلك المسيرة فريق من السجناء القدامى ليحيطوا بطول الحدود البولندية وتلاوة تلك المسبحة.

وقد خرج البولنديون شبابا ومسنين، نساء ورجالا وأطفالا، بل وسجناء قدامى بطول الشاطئ وأعلى الجبال والتلال ليتلوا معا تلك المسبحة العنصرية ضد مجيء أو حضور المسلمين في بولندا او في أوروبا. وقد انطلقوا من جميع أنحاء بولندا، بلا نقود ولا طعام لأن كل خورية يخدمها قس قامت بضيافتهم بطول الحدود. بل حتى السكك الحديدية قد ساهمت بتقديم تذاكر بسعر رمزي عبارة عن زلطي واحد لينطلقوا من أربعين مركزا. ولكي يتم التمويه على كل هذه العنصرية المتوارثة، قام الأساقفة المنظمين لهذه المسيرة بتبريرها قائلين: “أنها ليست مبادرة ضد المهاجرين”.. كما تجدر الإشارة هنا على ان الكنيسة التي لديها الإمكانيات لنقل وإطعام قرابة المليون ونصف شخص تفتقد الأمانة والمصداقية بفرضها على الأتباع التبرع الإجباري الشهري “بفلس بولس”!

وقد قامت محطة “راديو ماريا” بنقل المسيرة على الهواء، كما نقلت عبارة أسقف مدينة كرا كوف الذي قال: “إننا نصلى من أجل البلدان الأخرى الأوروبية، لكي تفهم أنه لا بد من العودة إلى الأصول المسيحية لتستمر أوروبا كما هي: أوروبا”.

وما من أحد يجهل أن بولندا من البلدان الشديدة العداء لما يطلقون عليه “غزو المهاجرين”، فهم ينظرون إليها على أنها كحصان طروادة للإسلام في أوروبا وفي قلب بلدهم. ولا شك ان هذه التلاوة للمسبحة التي قام بها قرابة المليون ونصف بولندي تندرج بكل وضوح في ذلك الصراع الواضح ضد الإسلام والمسلمين.

قصة المسبحة المرمية

إعلان المسيرة: خريطة بولندا تحيطها المسبحة

لقد تحدد يوم تلاوة “مسبحة الحدود” في نفس تاريخ عيد “مريم سيدة المسبحة” الذي يشير الى إحياء ذكرى الانتصار البحري للجيوش المسيحية على الأسطول المسلم العثماني في معركة لبانت، يوم 7 أكتوبر 1571، في خليج بتراس باليونان، في إطار الحرب الرابعة بين المسيحيين والمسلمين. وهو انتصار اعتبرته الكنيسة كمعجزة تمت بفضل تدخل السيدة مريم… في حين ان الحقائق التاريخية تقول شيء آخر: “لقد واجه الأسطول العثماني القوى المسيحية التي تضم اسطولا مكونا من اساطيل عدة بلدان هي: فينسيا واسبانيا واسطول الممالك الباباوية وچنوة ومالطة ودوقية سافوا وفرسان القديس يوحنا في القدس وبعض القوى الأخرى. وجميعها مجتمعة تحت اسم “التحالف المقدس” الذي قاده البابا بيوس الخامس”! وهو ما يعنى تحالفا مسيحيا شرس الكراهية، مكون من أساطيل ثمانية دول مسيحية مجتمعة، قام البابا بيوس الخامس بتجميعها بفكرة حرب صليبية جديدة على الإسلام.

وقد تم تخليد هذه الذكرى بعيد “سيدة النصر” الذي تم تغييره ابتداء من 1573 الى عيد “المسبحة المقدسة”.

وهنا لا بد من الإشارة الى ان هذه المعركة قد انتهت بهزيمة الأتراك الذين فقدوا جزءا كبيرا من اسطولهم، إضافة الى حوالي ثلاثين الفا من محاربيهم، وثلاثة آلاف وخمسمائة سجين، بخلاف كل الذين تم ذبحهم على الاض المعركة على أيدي اليونانيين… وكل هذه المجزرة الوحشية قد تم حياكتها من أجل مجد التعصب والكراهية العتيدة للإسلام، لأن القرآن الكريم قد كشف عن حقائق تاريخية ثابته ولا يمكن الالتفاف حولها، فيما يتعلق بتكوين المسيحية، وخاصة فرية تأليه السيد المسيح وبدعة الثالوث والشرك بالله عز وجل.

ووفقا لتراثها الممتد مع التحريف والتبديل، بررت الكنيسة ذلك الانتصار العسكري وارجعته الى تلاوة المسبحة التي كان البابا بيوس الخامس قد طالب كل المسيحيين بتلاوتها والصلاة يوميا “من أجل سلامة الحضارة المسيحية وإنهاء التوسع الإسلامي الذي وصل الى مشارف الغرب”.

وبعد ذلك قام البابا جريجوار الثالث عشر بالاحتفال بعيد المسبحة كل اول يوم أحد من شهر أكتوبر في كل الكنائس، ثم قام البابا بيوس العاشر سنة 1913 بتثبيت العيد بيوم 7 أكتوبر. وبعده قام البابا يوحنا الثالث والعشرين سنة 1960 بإعادة اسم العيد الى “سيدة المسبحة”.

ومن أجل تبرئة هذه المبادرة العنصرية قال بافل ريتل أندرياك، المتحدث باسم الأساقفة البولنديين لموقع “فاتيكان إنسايدر”: ان بولندا بلد مضياف (…)، وان لم يكن لدينا مهجّرون شرقيون فنحن استقبلنا أكثر من مليون ونصف مهاجر أوكراني، هاربون أيضا من الحرب والجوع”!

غير إن استقبال الأوكرانيون المسيحيون شيء، ورفض المسلمين الفارين من حروب فرضها عليهم الغرب الصليبي المتعصب وأطماعه شيء، لا يشير الى فرق شاسع فحسب، وإنما يتضمن اتهامات صارخة للكيل بمكيالين، وما أكثرها..

 

 

زينب عبد العزيز

15 أكتوبر 2017

 

 

صراع الجبابرة ..

 صراع الجبابرة ..

 

في واقعة تعد الأولى من نوعها في تاريخ الكيان الفاتيكاني، طلب البابا فرانسيس، يوم 25 يناير 2017، من رئيس تنظيم “فرسان مالطة” أن يقدم استقالته، حيث إن هذا المنصب الرئاسي في نظام الفرسان هو تعيين لمدى الحياة، ولا يجوز لأحد أن يقيله، وذلك لخلاف قديم بينهما.. لذلك أصر البابا على ان يقدم ماثيو فستنج استقالته، بناء على القَسَم الذي يؤديه الفرسان ويلتزمون بالطاعة للبابا.. وفرسان مالطة منبثق ومواكب لفرسان المعبد، المنبثق ومواكب لفرسان الرب، الذين قاموا جميعهم بالحروب الصليبية ضد الإسلام والمسلمين. وأيا كانت تفاصيل هذه المعركة الداخلية بين المؤسسات الفاتيكانية وقياداتها فإن ما يعنيني هنا هو التعريف بهذا التنظيم السري/العلني، خاصة وأن له سفارة رسمية في القاهرة، قريبة من ميدان طلعت حرب بوسط القاهرة.

وتنظيم “فرسان مالطة” من أقدم المؤسسات المسيحية، وهو دولة “بلا أرض” (؟؟؟)، وله سفارة في مائة وعشرين دولة، ويضم 13500 عضوا، يتم اختيارهم من عائلات الأرستقراطية العليا في المجتمعات الغربية وأثريائها المعروفة بطبقة ” النبلاء السود”. وقد تم تأسيسه سنة 1048 في مدينة القدس كجماعة تعمل في مستشفياتها لعلاج جرحى الحروب الصليبية. واعترف به البابا بسكال الثاني سنة 1113م، وبعد الحروب الصليبية انحصر التنظيم الى رودس ومالطة. والبلدان التي له تمثيل فيها تعترف له بسيادة وظيفية وليست أرضية، أي ان له حكومة ويمكنه إصدار طوابع والقيام بمشاريع والاتصال بكل الهيئات. وقد تم إقرار ذلك سنة 1961، العام السابق لبداية أعمال مجمع الفاتيكان الثاني (1962ـ1965) الذي برأ اليهود من دم المسيح، وقرر اقتلاع اليسار في عقد الثمانينات، واقتلاع الإسلام وتنصير العالم في عقد التسعينات، وهو ما يحاولونه حاليا..

ولهذه القضية، بين الفاتيكان وفرسان مالطة، خلفيات متعددة منها صراع قديم بين الرجلين، عندما كان البابا فرانسيس لا يزال الأسقف برجوليو في الأرجنتين وحاول تنظيم الفرسان تنحيته من منصبه لأسباب داخلية قديمة.. وبالنسبة للأزمة الحديثة فهي قيام أحد الفرسان بتوزيع عوازل طبية للرجال في الحرب الدائرة في بورما منعا لانتشار مرض الإيدز، والعوازل محرمة كنسيا لزيادة النسل؛ وتعيين شقيق أحد قيادات فرسان مالطة في مجلس إدارة الفاتيكان للحد من فضائحه، خاصة بعد أن ثبت انغماس ذلك البنك في العديد من القضايا التي ثبتت صحتها أيام البابا السابق بنديكت 16، منها غسيل الأموال والاغتيالات والتعامل مع المافيا وتجارة الأعضاء ووجود وكر للشواذ، والمعارك بين الليبراليين والمتزمتين في الفاتيكان، وصراعات بين القيادات الباباوية والسلطة الرأسمالية الأمريكية، إضافة الى العداء المخفي بين البابا فرنسيس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. والطريف ان هذا البنك الفاتيكاني اسمه “مؤسسة الأعمال الدينية”(IOR) .. وهذا الموقف الحالي بمثابة انتصار جديد للبابا الذي يلقبونه “بالتقدمي”، الذي يعمل حثيثا على تغيير وتعديل العقائد الدينية، ضد الجناح الذي يلقبونه “بالرجعي” في الفاتيكان، المتمسك بما يطلقون عليها “الأصول”، ويعلم الله كيف تم نسجها.. وكلها قضايا جانبية بالنسبة للموضوع الأساس هنا المتعلق بتنظيم فرسان مالطة.

حقيقة تنظيم فرسان مالطة

تنظيم فرسان مالطة من العوامل الحاسمة التي تسمح بفهم كيفية تأثير الفاتيكان في المجتمع الدولي. فاسم التنظيم بالكامل هو: “التنظيم السيادي العسكري لمالطة”، وقد لعب دورا حاسما في التاريخ الحديث. فهو تنظيم دولي وله أفرع في مختلف طبقات المجتمع ومؤسساته، كالتجارة والسياسة والبنوك والخدمات السرية والكنيسة ومجال التعليم والجيش، بما في ذلك التنظيمات السياسية والسرية كالماسونية أو تنظيم “ذي كويست” المعروفة باسم “جمعية چيصن”، وهيئة الأمم ومنظمة حلف الأطلنطي. ولهذا التنظيم قانونه الخاص وقد أقسم الولاء للنظام العالمي الجديد الذي يساند البابا في الفاتيكان. وهو، تدرجيّا، من أعلى درجات تنظيم “المستنيرون” (Illuminati) وأعلى من تنظيم “سْكال اند بونز” (جمجمة وعظام). وتنظيم مالطة هذا ليس أقدم منظمة سرية وإنما أحد أقدم الأفرع لمنظمة “ذي كويست” (The Quest).

ولقد قام كلا من تنظيمي “المستنيرون” و”الماسونية” باختراق الفاتيكان منذ عقود ممتدة، فهم الذين سيطروا على المجمع الفاتيكاني الثاني الذي برأ اليهود من دم المسيح، وهم الذين يتحكمون في الفاتيكان حاليا. وأكبر دليل على هذا الاختراق الممتد إن البابا كليمنت الثاني عشر قد أصدر قرارا سنة 1738 ينص على ان “أي كاثوليكي عضو في تنظيم الماسونية سيتم حرمانه فورا”. وهو ما كان بمثابة فضيحة لا تغتفر آنذاك. وفي عام 1884 قام البابا ليون الثالث عشر باتهام الماسونية بأنها منظمة سرية “تسعى إلى إعادة إحياء التصرفات والعادات الوثنية وإقامة مملكة الشيطان على الأرض”.

ومعظم أعضاء فرسان مالطة يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية، مما يعطيهم مرونة واضحة لتنفيذ مآربهم. والعمود الفقري لهذا التنظيم ينتمي الى طبقة “النبلاء السود”، وهو ما يدعم روابط الفاتيكان بعلية القوم. وتأتي عائلة هابسبورج على رأس قائمة النبلاء إذ تمتد جذورها إلى آخر امبراطور روماني. ونصف تعداد تنظيم مالطة تقريبا ينتمي لأعرق عائلات أوروبا. وبذلك فهم يدعّمون الروابط بين الأرستقراطية السوداء والفاتيكان.

ونطالع في كتاب بيير كومبْتن، “الصليب المكسور”، كيف استطاع تنظيم “المستنيرون” اختراق الفاتيكان. فالعين التي ترى كل شيء داخل مثلث، هي رمز شيطاني يستخدمه المسؤولون الكاثوليك والجزويت بكثرة. إذ نراه في لافتة “مؤتمر فيلادلفيا للإفخارستيا” سنة 1976، وعلى أحد طوابع بريد الفاتيكان سنة 1978، وداخل العديد من الكنائس وعلى ظهر الدولار الأمريكي. ويحكي المؤلف كيف كانت تلك العين التي ترى كل شيء محفورة على الصليب الخاص بالبابا يوحنا الثالث والعشرين، وان مئات القساوسة والأساقفة والكرادلة أعضاء في منظمات سرية. وهو ما ينطبق أيضا على السكرتير الخاص للبابا، والمدير العام لراديو الفاتيكان، وأسقف فلورنسا وغيرهم، إضافة الى من هم أعضاء في مختلف محافل الماسونية. وقد كان أول سفير أمريكي في الفاتيكان، ويليام ولصن، عضوا في تنظيم فرسان مالطة. وتعيينه في هذا المنصب ملئ بالمخالفات إذ انه كعضو في تنظيم فرسان مالطة قد أقسم على ولائه للبابا، فكيف يمكنه أن يكون ممثلا أو وفيا لبلده لولايات المتحدة ؟

طبقة النبلاء السوداء

تنتمي هذه الطبقة إلى أعرق وأغنى عائلات أوروبا، منها عائلات تعود أصولها الى ملاك مدينتي جنوا وفينيسيا في إيطاليا في القرن الثاني عشر. ويطلق عليها عبارة “النبلاء السود” لأنهم يستخدمون وسائل مرفوضة ومحرمة كالنصب والشيطنة والسحر الأسود لكي يصلوا الى ومآربهم. ولم يتردد أفرادها في استبعاد من يعوق مخططاتهم سواء قديما أو حديثا. وقد ساهمت الحملة الصليبية الأولى في إرساء سلطتها فيما بين 1063ـ1123. والمجلس الأعلى لمدينة فينسيا لا يزال يعمل وفقا لنفس المبدأ الذي قام عليه سنة 1171. وتعتمد طبقة النبلاء السود على دخلها الناجم عن أكبر تجارتين مربحتين: السلاح والمخدرات! وعندما حاول الرئيس نيكسون التصدي لهذه التجارة اكتشف ان معهد “تافستوك” يقوم بحملة لزعزعته. وبالفعل، لم يتعرض رئيس جمهورية للإهانة بقدر ما تعرض نيكسون لفضيحة وترجيت، التي اعتمدت على جريدة واشنطن بوست ونيويورك تايمز..

وفي الثلاثينات من القرن العشرين قاموا بتجنيد الجنرال سمادلي باتلر ليكون مدخلا لهم في البيت الأبيض.

معهد البابا يوحنا بولس الثاني

لقد أقام الفاتيكان في مدينة نيوجرسي الأمريكية معهدا باسم البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، من أجل الصلاة والبحث عن السلام.. وكان مديرو هذا المعهد على التوالي هم: كورت فالدهايم، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، المتورط في جرائم النازي ؛ وسيروس فانس، وزير الخارجية أيام جيمي كارتر وعضو مركز العلاقات الخارجية (CFR) ؛ وكلير بوث لوس من فرسان مالطة ؛ وبيتر جريس، رئيس فرسان مالطة في الولايات المتحدة. وهذا المعهد جزء لا يتجزأ من الخطة الجديدة للسلام التي يقودها البابا من الفاتيكان والتي عليها توحيد العالم من خلال الأهداف الثلاثة التالية، بدأً بتوحيد الكنائس رغم خلافاتها العقائدية، والأهداف هي:

ا ـ تربية وإعداد الكاثوليك وابنائهم على تقبل النظام العالمي الجديد ؛

ب ـ أن يصبح هذا المقر المنظم الأعلى للسلام ومراقبة المشاكل التي يتعرض لها والبحث عن حلها ؛

ج ـ المعهد مسؤول عن البحث عن الحلول المناسبة للمشاكل التي يمكن ان تطرأ.

ولقد أقرت الدول الكبرى هذه الإجراءات وقامت فعلا بتحويل جزء من صلاحيتها للبابا. لكن قبل ذلك لا بد لهم من استكمال إقامة النظام العالمي الجديد. وهناك مؤشرات كثيرة تدل على أن هذا النظام قد بدأ فعلا يوم 19 يناير 1989. فقراءة الفقرة التالية تكشف الكثير: “لقد أكد الفاتيكان عدة مرات أن البابا مدافع متحمس لنزع السلاح، وأنه يؤيد محو سيادة الدول، ويرى أن حقوق الملكية العقارية ليست حقوقا شرعية، وأنه هو وحده الذي يحق له تحديد ما هو صالح للإنسانية أم لا”..

ولو تأملنا ما دار في العقود القريبة الماضية وما يدور حاليا، لأدركنا يقينا :

أننا في زمن تغوص فيه أسلحة صامتة من أجل حروب خرساء..

فما من أحد يعترض، وكأن الأمر لا يعنيه : على الرغم من أنه قد تم تغيير وتبديل أحداث التاريخ المعاش، الثابتة ؛ وتغيير العقائد المسيحية، ويكفي تأمل تبرئة اليهود من دم المسيح وغيره من العقائد لتوحيد الكنائس ؛ ويتم فرض “الديمقراطية” على العالم بكل ما يواكبها من اختراق ودمار لبنيات المجتمع، خاصة في العالم الإسلامي والعربي ؛ وتم غرس فكرة : ان السعادة تكمن في النقود والمجد والسلطة والجنس بكل انفلاتاته والاستهلاك ببذخ وبلا وعى..

إذ يبدو أنه كلما كانت رؤوس الناس فارغة سيكون ما تنتجه فارغ أيضا.. وهو المطلوب بالنسبة لهؤلاء القادة من النبلاء السود.  وهو ما نلاحظه في الأوضاع الحالية على مستوى شعوب العالم، مع تفاوت دخولها، إذ باتت تسير وكأنها مسلوبة الإرادة في مواجهة عدو مخفي تحت أقنعة براقة مبهمة.

والسؤال الذي ينبثق من كل هذا العبث، والذي يجب ان يتم طرحه وتأمله ملياً، ولو من باب الأمن العام: كيف نسمح بإقامة سفارة رسمية لمثل هذا التنظيم، الثابت فعلا تورطه في نشاطات أخري ؟ كيف نسمح لتنظيم اسمه الكامل: “التنظيم السيادي العسكري لمالطة”، الذي لا يمتلك أرضا وإنما يحق له عمل أي شيء في الدولة بما فيها المجال العسكري؟.

زينب عبد العزيز

5 إبريل 2017

1

لقاء الأزهر والفاتيكان..

لقاء الأزهر والفاتيكان..

أ.د. محي الدين عفيفي، أ.د. حمدي زقزوق، الشيخ شومان، والكاردينال جان لوي توران

 

تم انعقاد حلقة نقاشية يومي 22 و23 فبراير الحالي (2017) بين مركز الحوار بالأزهر ووفدا من الفاتيكان، برئاسة الكاردينال چان لوي توران، حول “دور الأزهر الشريف والفاتيكان في احتواء التعصب والعنف باسم الدين”. وقد ضم كل وفد خمسة عشر مشاركا، وتضمن وفد الفاتيكان المونسنيور خالد عكاشة، المسلم السابق و”رئيس مكتب الحوار مع الإسلام”، واللهم لا تعليق.. وقد تم اختيار هذا التاريخ تحديدا احتفالا بذكرى زيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، الذي كان قد أعلن صراحة وعلنا، عام 1982، عن قرار مجمع الفاتيكان الثاني تنصير العالم وأنه قرار لا نقاش ولا رجعة فيه.. كما كان مجمع الفاتيكان الثاني (1995) قد أنشأ أثناء انعقاده لجنتان خاضعتان لرئاسة البابا مباشرة، احداهما من أجل “تنصير الشعوب” والأخرى من أجل “الحوار بين الأديان”.. وفي عام 1998 تم إنشاء لجنة الحوار بين المجلس البابوي والأزهر للحوار بين الأديان..

الكاردينال چان لوي توران :

في شهر نوفمبر الماضي (2016)، عقد الكاردينال توران اجتماعا صحفيا في مدينة لورد، تمهيدا للقائه في القاهرة، وفيما يلي بعضا مما صرح به : “سنناقش أساسا مسألة رعوية : كيفية التعايش مع الإسلام. وهنا لا بد من تعريف كلا من المسيحية والإسلام، وهل من الممكن أن نعمل معا لصالح المجتمع … هناك بوادر طيبة، ففي 2015 قام شيعة إيراد بترجمة “كتاب التعليم الديني للكنيسة الكاثوليكية إلى اللغة الفارسية لكي نتعارف بصورة أفضل”. وللعلم، هذا الكتاب صدر سنة 1992 ويتضمن شرحا للكتاب المقدس بكل ما تود الكنيسة أن يعرفه الأتباع أو أي قارئ كان، وليس الكتاب المقدس نفسه.. ويواصل الكاردينال حديثه للصحافيين قائلا: “استعدنا العلاقات مع الأزهر التي كانت قد توقفت منذ أحد عشر عاما”، لكنه لم يفصح عن السبب وهو السب المتعمد للإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام في المحاضرة التي ألقاها البابا السابق بنديكت 16، لكن الكاردينال توران أشار متعمدا إلى “الخطاب ال 138 والفاتيكان ” (2007)، ذلك الخطاب الذي بادر من وقعوا عليه باستجداء معاودة الحوار بزعم أننا نعبد نفس الإله !!.

وأوضح الكاردينال توران للصحافيين أنها كانت أول مرة يستجدي فيها المسلمون معاودة الحوار مع الفاتيكان، لأن الإرهاب يهمش الكثير من الجهود، فنحن محكوم علينا بالحوار.. إما الحوار أو الحرب”. كما أثار مسألة التعليم الديني في المدارس..

والكاردينال جان لوي توران، لمن لا يعرفه، هو القائل في نوفمبر 2007 “حينما يتعلق الأمر بالحوار مع المسلمين فإنه يكون مستحيلا وأن المسلمين إذا كانوا يريدون حوارا مع الفاتيكان فعليهم أن يتخلوا عن تقديسهم للقرآن الذي يعتقدون أنه كلام الله الذي لا يقبل النقد” (وارد في جريدة الأسبوع 6/3/2008). وهو ما يذكرني بالوثيقة التي وقعت عليها لجنة حوار الأديان بالأزهر، أيام الشيخ الزفزاف، في إبريل 2005، مع وفقد أمريكي أطلق على نفسه اسم “سفراء السلام” وهي الوثيقة التي تدعو إلى حرية التبشير في العالم الإسلامي، وهي الوثيقة الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية، وكان التقرير يتحدث عن إعادة تشكيل المجتمعات الإسلامية..

عودة إلى لقاء الأزهر والفاتيكان :

من الغريب ألا ترد أية إشارة في هذا الحوار، منذ يومين، بين الأزهر والفاتيكان، حول حقيقة الإرهاب التي لم يعد يجهلها أي إنسان، وأن التنظيم المدعو “داعش” هو من اختلاق المخابرات المركزية الأمريكية لهدفين أساسيين:

1 ـ إن أعضاء هذا التنظيم هم جنود التحالف العسكري الغربي ووسيلته في هز وزلزلة الدول العربية والإسلامية التي يريد استغلالها، فهم الذين قاموا بتدريبه وتمويله وتزويده بالعتاد والمعدات باعترافاتهم الرسمية. كما انه يمثل الحجة التي يبررون بها التدخل في الشؤون الداخلية لتلك البلاد بزعم “الحرب على الإرهاب” ؛

2 ـ هؤلاء المرتزقة الذين يعتمدون كلية على قادة الإرهاب في الغرب هم أدوات شيطنة إجرامية لقتل المدنيين لتبرير إجراءات إقامة دولة بوليسية تحمي “الديمقراطية” ويستخدمونهم لتجنيد الرأي العام في الغرب ضد الإسلام والمسلمين.

والمقصود من كل ذلك الخلط هو شن حربا غير شرعية لغزو الشرق الأوسط تحت لافتة “الحرب العالمية على الإرهاب”.. ويعلم الله لماذا لم يصدر عن لجنة الأزهر الموقرة إن الإرهاب هو نفسه ذلك الغرب الصليبي المتعصب، الذي يقود هذا العنف الصارخ الذي اختلقه للسيطرة على الموارد الطبيعية بأنواعها ولفرض ديانة اختلقوها، وتكفي مطالعة مقال “الكتاب المقدس والإرهاب” لنرى الإرهاب الحق..

وقد أوردت جريدة “لا كروا” الفرنسية التابعة للفاتيكان ومؤسساته، في عددها الصادر أمس، 24 فبراير 2017، ان السيد عبد الرحمن موسى، مستشار الإمام الأكبر للعلاقات الخارجية، صرح بأنهم “اجتمعوا لتبادل النقاط المشتركة، وليدينا الكثير، وللعثور على وسيلة لدمجها”، مضيفا: “إذا استطعنا إقامة السلام بين رجال الدين، سيكون من الأسهل نقلها لأتباع الديانتين”! فهل  يُفهم من هذا ان المطلوب مننا هو دمج الديانتين وطمس معالم الإسلام ؟

بينما قال الكاردينال لوي توران في نفس مقال جريدة “لا كروا”: “إن مثل هذا اللقاء بمثابة هدية للإنسانية، إذ عندما ننقسم تعد خدمة للتطرف”، مضيفا “إن الحوار تم في نطاق اهتمامات البابا فرنسيس الذي وضع قضية الحوار بين الأديان من أولويات رئاسته”.. وتقول الجريدة في ختام هذا المقال: “إن التوقعات تختلف اليوم في الأساس، فبينما يتطلع الفاتيكان إلى عمل لاهوتي متعمق، من خلال لقاءات منتظمة، يرى الأزهر ـ الواقع في خلافات مع السيسي لرفضه تحديث الخطاب الديني ـ يقوم بحسابات سياسية. إذ إن وجهة نظر الأزهر حاليا هي تصويب صورة الإسلام أولا. وإن كنا نتحاور معهم فهو لكي يدرك الأزهر موقف الكنيسة ولكي نجد أرضية مشتركة للحوار”..

بينما أكد الكاردينال توران قائلا: “إن المسؤولين الدينيين يجب أن تكون لديهم الشجاعة للتعبير عن رفضهم للعنف الذي يُمارس باسم الدين، وان المتعصبين   والمتطرفين هم السبب الأساسي للرأي المسيء حول الأديان”. وقد أوصي بإغلاق محطات التلفاز ومواقع الإنترنت التي تروج للأفكار المتطرفة.. وينتهي مقال جريدة “لا كروا” بأن هناك خبر يتردد في أروقة الأزهر يشير إلى أن البابا فرنسيس، الذي كان قد دعاه البطريرك تواضرس الثاني حينما التقي به، كما دعاه الإمام الأكبر أحمد الطيب، قد يأتي قريبا لزيارة مصر”..

أما التوصيات الثلاثة عشر التي تضمنتها الوثيقة التي تمخض عنها هذا اللقاء، فهي بحاجة إلى مقال على حدة، لكل ما تضمنته هذه البنود صراحة أو بعبارات ملتوية ..

وقبل أن أنهي هذا العرض الخاطف وكل ما يتضمنه من مرارة مؤلمة، ليت المعنيين بالحوار في الأزهر يدركوا معنى عبارة “الحوار بين الأديان”، التي يعني في النصوص الفاتيكانية: “كسب الوقت حتى تتم عملية التنصير”.. وليت أعضاء اللجنة الموقرة، بل وكل الأزهر، كمؤسسة دينية لها مكانتها في العالم الإسلامي، أن يطلب من سيادة البابا فرنسيس قبل دعوته وقبل حضوره، أن يعترف بالإسلام ديناً منزلا من عند الله، بدلا من إزاحته ووضعه ضمن ديانات جنوب شرق آسيا، وأننا يقينا “لا نعبد نفس الإله” معه.. لأنه لا يكف عن ترديد هذه العبارة رسميا في كثير من خطبه، وأننا نؤمن ونصلي كل يوم بسورة الإخلاص، التي لا يمكن بتر نصفها لكي نرضيه، فهي تنص على كل مسلم مؤمن بدينه قول: “قل هو الله احد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد”، وتوضيح أن نصفها  الثاني هذا، الذي ألغوه في ذلك الخطاب المشؤوم، يثبت ما قامت به الكنيسة من تحريف في رسالة السيد المسيح، ذلك النبي المقتدر، عليه السلام، بتأليهه في مجمع نيقية الأول سنة 325 م، ثم أضافت لهذه البدعة بدعة الشرك بالله عز وجل، هي بدعة التثليث، الذي تم فرضه في مجمع القسطنطينية سنة 381 م.. وكلها أحداث ثابتة في وثائقهم ومراجعهم.

ليت المسلمون في الأزهر، وجميعهم أحسبهم مسلمون مؤمنون، أن يطلبوا صراحة من الفاتيكان وكل العاملين به وخاصة من البابا فرانسيس، قبل دعوته وحضوره، أن يرفعوا أيديهم عن الإسلام، وان يكف ذلك الكيان الكنسي عن المطالبة بتعديل النص واقتلاع الآيات التي تثبت ما قاموا به من تحريف في الرسالتين السابقتين..

زينب عبد العزيز

25 فبراير 2017

3